التقارب الأمريكي – الإيراني ينحي خيارات الهجوم الإسرائيلية جانبًا

تل أبيب — تعمل إسرائيل في الوقت الراهن على إعادة تقييم خياراتها المتضائلة لمواجهة التهديد النووي الإيراني مع اجتماع البيت الأبيض، الذي يعاني من أعباء الحروب، وباقي دول العالم صاحبة النفوذ في جنيف في نهاية هذا الشهر لمناقشة الخيارات الدبلوماسية للتعامل مع طهران.

تقول مصادر الحكومة والدفاع هنا أن استعداد الرئيس الأمريكي باراك أوباما "لاختبار المسار الدبلوماسي" قد أدى بدرجة كبيرة إلى تقليص استراتيجية إسرائيل القائمة على فرض التفكيك الكامل للبرنامج النووي الإيراني من خلال توقيع عقوبات صارمة على إيران والتهديد الجدي باللجوء إلى استخدام القوة العسكرية.

وفي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في الأول من أكتوبر، قام رئيس الوزراء الإسرايلي بنيامين نتنياهو بالتحذير من أن السيد حسن روحاني، الرئيس الإيراني المنتخب الجديد، لا يعد شخصًا معتدلًا يسعى إلى الإصلاح، بل هو "خبير" في الخداع، يسعى إلى خداع العالم "خلف ستار من الدخان من المشاركة الدبلوماسية وخطابة دبلوماسية بالغة الكياسة".

لقد كان نتنياهو حازمًا في أن إسرائيل "لن تقبل مطلقًا" بإيران نووية؛ كما لن تقبل بأي اتفاق جزئي يتيح لإيران إعادة تشكيل التهديد في حال ما قررت التنصل من أي اتفاق أبرمته في هذا الصدد.

وفي مواجهة هذا التهديد، حذر أكثر من مرة، "لن يكون أمام إسرائيل أي خيار سوى الدفاع عن نفسها".

إلا أن المصادر هنا تؤكد أن الاتصال الهاتفي الذي في تاريخ 27 سبتمبر والذي شهد باكورة ذوبان الجليد الذي غلف العلاقات بين واشنطن وطهران على مدى 34 عامًا كان من شأنه تقويض مصداقية تهديدات نتنياهو. طالما البيت الأبيض يشارك على نحو مباشر فيما يسمى محادثات "P5 Plus 1" (الدول الأعضاء الدائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وألمانيا) مع إيران، فإن إسرائيل، وفقًا لتلك المصادر، لن يكون في مقدورها التفكير في اتخاذ هجوم مسبق.

ويقول عضو سابق في الأركان العامة لقوات الدفاع الإسرائيلية معقبًا على هذا الشأن، "إن علاقة أوباما بروحاني قد تكون تشهد حالة من ذوبان الجليد، إلا إنها ترغمنا على تجميد خيارات إجراء هجوم أحادي الطرف".

وفند اللواء سيد حسن فيروز أبادي، ثاني أكبر مسئول عسكري في إيران، تهديدات نتنياهو معتبرًا إياها تعبيرًا عن "يأس" لن يثني عزم طهران عن مواصلة "برنامجها النووي السلمي"، وذلك وفقًا لما نقلته وكالة فارس شبه الرسمية من تصريحات اللواء.

ولقد استجاب روحاني بسخرية لكلمة نتنياهو عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي تويتر قائلا، "إن إسرائيل غاضبة لرؤيتها سيفها وقد خفت حدته بينما إيران تزداد قوة يومًا بعد يوم".

وعلى الرغم من تأكيدات أوباما بأن الدولتين يتشاركان الهدف ذاته بمنع تسلح إيران نوويًا، فالأغلبية هنا قد أصابهم الإحباط الشديد نتيجة لتعامل البيت الأبيض مع تهديد الأسلحة الكيميائية التي تمتلكها سوريا والشك المتزايد إزاء قدرة الولايات المتحدة أو عزمها على تنفيذ الخيار العسكري الذي يصر الرئيس إنه ما زال مطروحًا.

ومع ذلك، فإن واشنطن ولندن وباريس يؤكدون على أن التهديد الصادق باللجوء إلى استخدام القوة قد أجبر سوريا على التخلي عن ترسانتها الكيميائية وأن العرض المقدم من الرئيس الإيراني الجديد يمثل فرصة استراتيجية ينبغي بحثها.

ومع التفاؤل الذي يشعر به المسؤولون الأمريكيون، يؤكد كبار المسؤولين – وكذلك واضعي القوانين والاستراتيجيات – على أن الأفعال الإيرانية فقط بصدد برنامجها النووي وليس كلامها المعسول هي التي ستؤدي حتمًا إلى تغيير العقوبات.

خلال اجتماع عُقد في المكتب البيضاوي في 30 سبتمبر، أخبر أوباما نتنياهو أنه يجري المفاوضات مع إيران "بعين متيقظة للغاية" وأن أي صفقة دبلوماسية إنما تطلب "أعلى معايير التحقيق" قبل الموافقة على تخفيف العقوبات استجابة لطلب إيران. كما قال، "نحن لا نرفع أي خيارات من على الطاولة، بما في ذلك الخيارات العسكرية".

أن تلك الانفراجة في العلاقات بين حليفها في واشنطن وعدوها اللدود في طهران إنما تمثل عدة مشكلات متوازية لإسرائيل: فهي في حاجة للتأكد من توافر خيار عسكري أمريكي فعلي في حال فشل الدبلوماسية أو أن تكون على استعداد للتصرف من طرف واحد في حال نجاح المساع الدبلوماسية للتوصل إلى اتفاق لا يفي بأقصى متطلباتها.

وفي جميع الأحوال، فإن الأوضاع السياسية والعملياتية لا تنبئ باستجابة عسكرية تقليدية في حال فشل المساعي الدبلوماسية.

مع احتمال امتداد المحادثات الدائرة بين إيران وألمانيا والأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن بالأمم المتحدة إلى العام الجديد، يقول الخبراء هنا أن إسرائيل ستعمل على تكثيف المساعي الدبلوماسية العامة لدعم فرض العقوبات ومواصلة حربها الخفية الناجحة ضد البرامج النووية والفضائية الإيرانية.

وقد حث الللواء المتقاعد أموس يادن، رئيس المخابرات الإسراليلية السابق، نتياهو على التعاون مع أوباما لعقد صفقة إيجابية لنزع السلاح.

كتب يادن، الرئيس الجديد للمعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي، في 29 سبتمبر، معقبًا، "يجب منح فرصة للتوصل إلى اتفاقية جيدة، حتى وإن كان الحراك الإيراني على سبيل الخداع. فقد يثمر الكشف عن الخداع عن منافع استراتيجية".

وفقًا ليادن، حتى الاتفاقية التي تحمل مخاطرة محددة "إنما تمثل تهديدًا أقل ضراوة حتمًا من المخاطر الكامنة في الوضع الراهن، والتي قد تؤدي إلى صنع قنبلة إيرانية أو تحرك عسكري لإحباط مثل تلك المحاولات".

Read in English

...قد ترغب أيضا