تسريبات حرب غزة تثير مبدأ محاسبة النفس في إسرائيل

في صورة للحدود بين إسرائيل وقطاع غزة، يرتفع الدخان من الجانب الساحلي لقطاع غزة في أعقاب انفجار إسرائيلي مُحكم لأحد الأنفاق في 1 أغسطس (صورة: جاك جويز/ أ ف بإيه إف بي / جيتي إيميدجز)

في صورة للحدود بين إسرائيل وقطاع غزة، يرتفع الدخان من الجانب الساحلي لقطاع غزة في أعقاب انفجار إسرائيلي مُحكم لأحد الأنفاق في 1 أغسطس (صورة: جاك جويز/ أ ف بإيه إف بي / جيتي إيميدجز)

تل أبيب — أوضحت تسريبات حرب غزة الصيف الماضي اشتراك القوات الإسرائيلية في الحدث بصورة مثيرة هنا عندما تصطدم الديمقراطية والالتزام بالقانون الدولي مع الالتزامات لهؤلاء الذين يقاتلون في الخطوط الأمامية المُحمّلة بالضباب.

تثير تسجيلات الحرب الإسرائيلية للمعركة الشرسة التي بدأتها حماس خلال واحدة من العديد من عمليات وقف إطلاق النار قصيرة الأجل من الحرب الأسئلة العملية والاجتماعية والقانونية المُعقدة التي تمتد إلى ما هو أبعد من أنفاق الإرهابيين في جنوب قطاع غزة حيث بدأ كل شيء.

وأصبحت الأسئلة التي ظهرت في مقاطع الفيديو هي الوقود لحملة في الفترة التي تسبق الانتخابات في 17 مارس، في حين أن محتوى التسجيلات المسربة يمكن أن يُستخدم لدعم التحقيقات الجنائية هنا وربما في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.

فهي تحتوي على قضايا متعلقة بمسؤولية القيادة؛ وقواعد الاشتباك؛ وحقوق الأفراد الذين يشكلون الجيش الشعبي الإسرائيلي عندما تُقاس ضد المصلحة الجماعية لعامة الشعب.

كما تحتوي على قيود الرقابة العسكرية في بلد تدعي حرية الصحافة.

وأخيرًا، فالإجراءات التي اتُخذت في أعقاب حرب 1 أغسطس تدعو إلى التشكيك في استقلالية المحامي العسكري العام، وهو ضابط عام مُعّين من قِبل وزير الدفاع، ولكنه مرؤوس من النائب العام الاسرائيلي.

يُعرف هنا باسم يوم الجمعة الدامي، بدأت معركة 1 أغسطس بكمين أسفر عن مقتل اثنين من جنود المشاة الإسرائيلية وتسبب في فقد أحد الجنود. وقامت القوات في مكان الحادث بمطاردة نشطاء حماس في الأنفاق التي بنتها الجماعة كأساس للانطلاق تحت الأرض.

وبجانب ذلك، فعّلت قوات الدفاع الإسرائيلية بروتوكول هانيبال، مما يسمح لقوة هائلة إحباط عمليات الاختطاف الجارية، حتى لو على حساب حياة الجندي الذي يسعون إلى إنقاذه.

فشلت المهمة في استرداد الجندي المفقود، ولكن الأدلة الناتجة عن هذه المهمة سمحت لخبراء الطب الشرعي بالقول بأن الجندي، الملازم ثانِ هدار جولدن، قد قُتل في بداية الهجوم.

لكن عشرات الفلسطينيين الأبرياء قُتلوا أيضًا في الغارات الجوية حسب بروتوكول هانيبال، والقصف المدفعي والهجمات البرية التي تهدف إلى استرجاع جولدن أو منعه من أن يُستخدم كأداة للابتزاز في مبادلة سجناء في المستقبل.

“أوقفوا إطلاق النار! أنتم تُطلقون النار مثل البُلهاء ”

في الأشرطة التي نُشرت لأول مرة من قِبل صحيفة يديعوت أحرونوت الإلكترونية في إسرائيل، كان مدى الهجوم المضاد على طرق الهروب الممكنة والمواقع المُشتبه بها في أنها تدعم الممرات تحت الأرض واضحًا بشكل كبير.

وفي تلك اللحظة، شعر القائد التكتيكي في المعركة، وهو برتبة مقدم في الجيش، بالخوف من إطلاق النار القريب من القوات الصديقة، وأصدر أوامر بوقف إطلاق النار: “أكرر: أوقفوا إطلاق النار … أنتم تطلقون النار مثل البُلهاء” سوف تقتلوا بعضكم البعض. كفى! أنا لدي [جنود] قتلى بالفعل. أيها البُلهاء! توقفوا لثانية واحدة. “

وفي لحظة أخرى، وفي أعقاب الهجوم المتواصل على أحد المساجد، قال صوت آخر: “المسجد كله مليء بالفتحات. لا يوجد شيء متبقي منه.”

أدان الجنرال بيني جانتز، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، التسريبات الإعلامية، على الرغم من أن صحيفة يديعوت احرونوت قد حصلت على تصريح بنشر مقاطع الفيديو من الرقابة العسكرية قبل نشرها. وقال جانتز عن مقاطع الفيديو التي نشرتها صحيفة يديعوت أحرونوت: “هذا تحقيق يتعلق بعائلات فقدت أبنائها …. ومن غير المقبول من وجهة نظري أن تُنشر التسجيلات بهذه الطريقة.”

وفي مقابلة له في 14 يناير، قال ضابط من الرقابة العسكرية أن الأجزاء التي لها علاقة مباشرة ” بقضايا الأمن” من البث الإذاعي الرسمي تمت إزالة أجزاء منها قبل أن تنشرها صحيفة يديعوت أحرنوت. أما بالنسبة لباقي المقاطع، “بالتأكيد ليس أمر جيد؛ ويدل على عدم احترام. ولكن على الرغم من كل شيء، نحن ما زلنا ديمقراطيين هنا.”

معركة الجمعة الأسود هي واحدة من العشرات من حملة الحافة الواقية التي استمرت 50 يومًا والتي حققت فيها فرق عينها جانتز لتعلم الدروس العملية من الإخفاقات في ميدان الحرب.

كما أنها واحدة من “الأحداث الاستثنائية” القليلة التي ينظر إليها الجنرال داني إيفروني، المحامي العام العسكري في جيش الدفاع الإسرائيلي، باعتبارها تحقيق جنائي.

وفي رسالة إلى جمعية الحقوق المدنية في إسرائيل، وهي منظمة غير حكومية مقرها تل أبيب، قال مسؤول كبير في وزارة العدل أن التحقيقات التي أُجريت نيابة عن هيئة الأركان العامة تساعد إيفروني في تحديد ما إذا كانت الإجراءات التي اتخذت تحت بروتوكول هانيبال تبرر التحقيق الجنائي.

وكتب اورين بونو، مساعد قانوني بارز للنائب العام الإسرائيلي يهودا واينشتاين، أنه: “لم يتم اتخاذ قرار بشأن هذه المسألة حتى الآن.”

وردًا على مخاوف جمعية الحقوق المدنية من التدخل السياسي أو العسكري في التحقيق الذي يقوده المحامي العام العسكري، أصر بونو أن إيفروني رد فقط على اينشتاين ومبادئ القانون الدولي.

وكتب بونو: “في ظل القانون العسكري، يعمل المحامي العام العسكري بشكل مستقل، في مأمن من سلسلة القيادة ويسترشد فقط بالاعتبارات ذات الصلة بتطبيق القانون — ولا شيء غير ذلك — في أداء مهامه.”

قواعد الاشتباك السرية

أثار مسؤول في وزارة العدل الجدل بشأن مزاعم جمعية الحقوق المدنية أن بروتوكول هانيبال المثير للجدل غير قانوني نظرًا لأنه يعطي الموافقة لإطلاق النار العشوائي على المناطق المأهولة بالسكان.

ولكن نظرًا لسرية البروتوكول، فلا يمكن للوزارة تلبية طلب جمعية الحقوق المدنية للحصول على تفاصيل بشأن مدى قدرة الجيش الإسرائيلي أن يُعرض حياة الجندي المخطوف للخطر أو السكان المدنيين من العدو في الجهود المبذولة لمنعه من السقوط في أيدي العدو.

وقال المسؤول في وزارة العدل أنه على الرغم من أن قواعد الاشتباك في بروتوكول هانيبال سرية، إلا أن “الأوامر العملية تحظر إطلاق النار الذي يهدف إلى موت الضحية المختطفة.”

وكتب بونو في إشارة إلى معدل غير متناسب من السجناء الفلسطينيين، أن إسرائيل قايضت في الماضي من أجل جندي واحد — أو، في بعض الحالات، جثث جنود جيش الدفاع الإسرائيلي.

“إن الأوامر العملية تحظر إطلاق النار الذي يهدف إلى موت الضحية المختطفة اختطاف”. وقال بونو لجمعية الحقوق المدنية أن الإجراءات المسموح بها بموجب بروتوكول هانيبال “تعكس، في رأينا، التوازن السليم بين مختلف الاعتبارات المعنية.

“اسمحوا لنا أن نضيف أن هذا العمل العسكري لإحباط عملية الاختطاف بعد وقوعها (على سبيل المثال، إجراء لإطلاق سراح الرهائن) دائما ما يشكل خطرًا على حياة الضحايا المختطفين. وعلى الرغم من هذا، نحن لا نعتقد أن هناك أي شيء في القانون الإسرائيلي أو الدولي يحظر اتخاذ إجراءات لإحباط عملية الخطف، حتى في ظل الظروف التي يمكن أن تعرض مثل هذه الإجراءات حياة الضحية المختطفة للخطر.”

وقود الحملة

المعارضة الشديدة للتحقيقات الجنائية التي قودها المحامي العام العسكري الذي يدعمه وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون تُلقي بالشك هنا بشأن مطالبات وزارة العدل باستقلال القضاء العسكري.

وفي 8 يناير، نُشرت تصريحات على أنها بيان صحفي صادر عن مكتب يعلون، أصر فيها وزير الدفاع أن الأحداث في جنوب غزة يوم 1 أغسطس هي مسألة عملية ولا يجب البحث فيها باعتبارها جريمة محتملة.

وقال يعلون: “آمل أن أحدًا لن يقرر إدراج هذه المسألة في أيدي الشرطة العسكرية.”

وفقًا ليعلون، يجب أن يتم التمييز بوضوح بين الاستجوابات العملية والتحقيقات الجنائية، فالأولى تعزز الثقة بين المستويات القتالية والأخيرة تهدف إلى إحالة المخالفين للمساءلة.

وقال يعلون: “أُثير هذا السؤال بشأن الاستجوابات والتحقيقات. واحدة من اختبارات القائد هي إلى أي درجة يدعم القائد شعبه … والطريقة الصحيحة للتحقيق في أحداث عملية بطريقة تعزز الثقة — حتى لو اُرتكبت أخطاء مهنية — هي من خلال عملية استجواب تشغيلية.”

وقال يعلون مستشهدًا بضبابية الحرب التي لا مفر منها في كل المعارك، أن الاستجوابات التشغيلية يجب أن تُبحث من حيث تطبيق الدروس في المعارك في المستقبل.

وفي المقابل، قال يعلون أن التحقيقات الجنائية التي تمحو الماضي لأغراض الصاق اللوم فقط يجب أن تكون محفوظة فقط للانتهاكات الواضحة للقانون.

“فالتحقيقات تبحث عن المذنبين … وهناك حالات يكون فيها ذلك ضروريًا. إذا ارتكب شخص ما، خلال المعركة، أعمال إجرامية مثل النهب والاغتصاب وإطلاق النار العشوائي على امرأة، أو طفل أو شخص يرفع العلم الأبيض، فإن هذه انتهاكات واضحة للقواعد. ومكان هذه الحالات الجنائية هو الشرطة العسكرية.”

وكرر يعلون موقفه في 13 يناير بعد يوم من نشر وزارة العدل موقفها بشأن الحُكم الحر الممنوح للمحامي العام العسكري بموجب القانون.

ومع إيفروني لأسابيع فقط أو حتى أيام بعيدًا عن تحديد ما إذا كان سيتم التحقيق في أحداث يوم الجمعة الأسود، كرر يعلون تصريحات علنية كان يُنظر إليها على أنها محاولات ما قبل الانتخابات لكسب ود الجمهور على حساب استقلال القضاء.

وكتبت صحيفة هآرتس في افتتاحيتها في 11 يناير: “يبدو أن وزير الدفاع موشيه يعلون استغل أيامه الأخيرة كوزيرًا للدفاع لتعزيز موقفه سواء قبل الانتخابات أو بعدها عند توزيع الحقائب الوزارية.”

وصفت صحيفة هآرتس تصريحات يعلون بأنها غير لائقة، وحثت الصحيفة أن سوء استخدام القوة “الضخمة وغير المتناسبة” يجب التحقيق فيه لصالح الجيش الإسرائيلي ودولة إسرائيل. “مثل هذا التحقيق لديه القدرة على منع التحقيقات الدولية، والتي سوف تورط إسرائيل والجيش الإسرائيلي في” مغامرة “في العدالة الدولية، والنتيجة لا يمكن التنبؤ بها.”

وأضافت هآرتس، أن يعلون “يجب أن يفهم أن قلقه ينبغي أن يكون صالح الجيش الإسرائيلي والبلاد، بدلاً من سلامته الشخصية، وهو ما يسعى لزيادتها من خلال محاولاته لمجاملة قادة الجيش الإسرائيلي واختلاق الإحساس بالمشاعر اليمينية للجمهور.”

البريد الإلكتروني: bopallrome@defensenews.com

Read in English

...قد ترغب أيضا