الأردن تظهر قتالًا من العيار الثقيل ضد داعش

قوات أمن أردنية تؤمِّن شوارع مدينة إربد، بالقرب من الحدود مع سوريا، بـ8 مارس بعد عملية أمنية استهدفت مجموعة من الإرهابيين المشتبه بهم. (تصوير: خليل مازراوي/ AFP/ غيتي إيميجز)

قوات أمن أردنية تؤمِّن شوارع مدينة إربد، بالقرب من الحدود مع سوريا، بـ8 مارس بعد عملية أمنية استهدفت مجموعة من الإرهابيين المشتبه بهم. (تصوير: خليل مازراوي/ AFP/ غيتي إيميجز)

إربد، الأردن –  توتر يخيم منذ شهور على وسط مدينة إربد، بعد اجتياح القوات الخاصة الأردنية لمخيم اللاجئين الفلسطينيين في مداهمات ليلية منسقة بعناية لاعتقال أو قتل أعضاء خلية نائمة مرتبطة بداعش، حسب ما ادعت السلطات.

في مارس/ آذار الماضي، تحولت مدينة إربد، ثالث أكبر مدينة أردنية على بعد 25 كم (15.5 ميل) فقط من الحدود السورية، إلى ساحة معركة حضرية في اشتباكات قريبة ودقيقة لا هوادة فيها، دامت لمدة اثنتي عشرة ساعة تقريبًا. نجم عنها مقتل 8 أشخاص بمن فيهم ضابط أردني.

وقد اُعتقل إثر هذه المداهمة حوالي 36 شخصًا يشتبه في كونهم إرهابيين، سواء في وقت سابق لها أو خلالها أو بعدها مباشرة؛ حيث عُثر على سترات ناسفة وأسلحة أوتوماتيكية وكمية ضخمة من طلقات الذخائر.

وفي بيان، أشادت الأجهزة الأمنية الأردنية بعملية مكافحة الإرهاب الوقائية التي “أجهضت” مخططًا إجراميًا تدميريًا مرتبط بجماعة داعش الإرهابية التي تسعى لزعزعة استقرار الأمن القومي.

كما صرح شركاء التعاون الأمني مع الأردن أن العملية مجرد واحدة من ضمن عشرات العمليات التي تمت في الشهور الأخيرة؛ إذ يعمل الملك عبد الله الثاني، ملك الأردن، على توسيع الحرب العلنية والسرية ضد المتطرفين الإسلاميين الذي يسعون لزعزعة استقرار المملكة الأردنية الهاشمية.

وعلى حسب ما ذكره ضابط عام مسؤول في التعاون الأمني مع المملكة لديفينس نيوز، فالأردن، رغم ميزانيتها المحدودة، ومواردها المعطلة وحدودها الطويلة مع العراق وسوريا – موطن داعش والاسمان اللذان يتأصل منه تنظيم الدولة – تصارع ببراعة ما يفوق إمكاناتها في الحرب ضد الإرهاب المتطرف المتأسلم، مشيدًا بأنظمتها العسكرية في وصفه إياها “نظام مخابرات وقوات عسكرية على مستوى عالمي”، ومؤكدًا على ضرورة الاتحاد لمواجهة هذا الإرهاب؛ في تصريحه:

“نحن نعي جميعًا أن علينا العمل سويًا على مزامنة القتال وتوحيده أمام هذا التهديد المشترك”.

 مبينًا أنه من المقرر وصول قوات عمليات خاصة من جميع أنحاء العالم لعمَّان للاشتراك في المؤتمر الاثناسنوي لقادة العمليات الخاصة في الشرق الأوسط (ميسوك)، وعلى هامشه معرض (سوفكس).

وقد تناول معرض سوفكس هذا الأسبوع دور المملكة الهاشمية المتزايد في مكافحة تنظيم الدولة والجماعات المتطرفة التي تنشر الإرهاب والفوضى حول العالم.

وعلى حد ما صرح به رياض قهوجي، مؤسس مؤتمر قادة العمليات الخاصة بالشرق الأوسط، والذي يُعقد الآن في دورته الثامنة، فإن “الأردن أثبتت دورها الفعَّال في مواجهة الإرهاب والقتال من أجل أمن وطنها”.

فوفقًا لما جاء في البيان الأخير للجنرال الأمريكي لويد أوستن، قائد القيادة المركزية الأمريكية، الأردن ما تزال شريكًا عربيًا رائدًا ومشاركًا فعالًا في الضربات الجوية للتحالف الدولي ضد “تنظيم الدولة في العراق والشام” -المسمى الذي أطلقته واشنطن على داعش- هذا بجانب استضافتها للعديد من المنشآت، بما في ذلك القيادة الأمامية  CF-J(القيادة الأمامية – الأردن) التابعة للقيادة المركزية للقوات الأمريكية، والتي تدعم خدمة أبحاث الكونغرس التي تقدر بـ 2000 من الجنود العسكريين الأشداء في المملكة.

وبيد أن الأردن تُعاني اقتصاديًا واجتماعيًا عبءَ حوالي 1.2 مليون لاجئ سوري – ليتضخم بذلك التعداد السكاني لما يزيد عن 8 مليون – فإن الدولة في حاجة متصاعدة لاستدعاء عملاء مخابرات وقوات خاصة ووحدات شرطة خاصة من أجل رصد ومكافحة الإرهابيين المشتبه بهم المتخفين وسط موجة الأبرياء الباحثين عن الأمان في المملكة.

“واحد من أصل خمسة من الأشخاص الذين ترونهم اليوم في شوارع المملكة ليس أردنيًا”، هذا ما قاله نبيل الشريف، عضو البرلمان السابق الذي يرأس مركز إمداد للإعلام، مؤسسة أبحاث وسياسات عامة مقرها بعمَّان، في إشارة منه إلى موجات الهجرات المتعددة للفلسطينيين والعراقيين وأهالي شمال أفريقيا وحاليًا اللاجئيين السوريين التي استوعبتهم الدولة بملئ إرادتها حتى السنة الماضية إلى حين أُجبرت على فرض قيود مشددة على المعابر الحدودية، مصرحًا أن: “هذا عبء كبير على أي دولة. لذا عليك أن تتصور ماهية الوضع بالنسبة لدولة تفتقر إلى الموارد مثلنا”.

وفي مقابلة أجريت معه مؤخرًا، كرَّر الشريف وصف الملك للحرب المستمرة ضد داعش بكونها “معركة تمتد لأجيال بين الخير والشر” والتي تتطلب ليس فقط القوة العسكرية، بل أيضًا القوة المعنوية. كما قال:

“استراتيجية الملك واضحة للغاية: لا يمكن أن يكون هناك حوار مع داعش…. بالنسبة لنا كمسلمين، هم يشنون الحرب على الإسلام، مشوهين صورته البهية وأنا لا أعتقد أن هناك انتباه كافٍ في العالم العربي لمحاربة هذا في مجتمعاتنا ومساجدنا”.

كما كان لفواز الزغبي، نائب البرلمان عن مدينة رمثا، لقاءً مع جريدة ديفينس نيوز خلال زيارتها الأخيرة للبرلمان الأردني. قال فيها:

“عندما بدأ الربيع العربي، لم نكن نتوقع أبدًا أننا سنتعرض لمثل تلك الموجات الضخمة من الهاربين بحياتهم إلى منطقتنا”.

فمدينة رمثا مدينة تبعد فقط 7 ميل عن الحدود السورية، ويخيم فيها الآن 15.000 لاجئ سوري في انتظار عملية الفحص الأمني التي تسمح بدخول متوسط 100 من الحالات الأكثر احتياجًا يوميًا.

“في بداية الأزمة، زار الملك رمثا وأصدر أوامره بالترحيب بإخواننا السوريين واستضافتهم. أما الآن، فقد ارتفعت نسبة البطالة لـ 70 بالمئة؛ فهم يأخذون الوظائف من الأردنيين بأجور أقل بكثير، كما أصبحت الجريمة متفشية. ونحن صراحة قلقون للغاية حيال التهديد الخطير الذي يشكله ذلك الأمر على أمننا واستقرار بلادنا”.

كما استكمل حديثه مبينًا أن المواطنين يعملون يدًا بيد مع القوات الأمنية للحفاظ على النظام في خضام بيئة فوضوية على نحو متزايد، قائلًا:

“عندما نرى أي سلوك غريب أو غير طبيعي، نتصل بقواتنا الخاصة. لا أحد يحب القيام بذلك، ولكن ليس لدينا خيار، فلا أحد يستطيع أن يكون تحت هذا الضغط”.

جاء ذلك موافقًا لتقدير ذكره ليث علاونة، قاضي محكمة الاستئناف الأردنية في عمَّان، أن فقط نصف “ما لا يقل عن “1.2 مليون” لاجئ سوري قيد التسجيل، في حين أن أغلب اللاجئين غير الموثقين الذين يعيشون في شمال البلاد لا يدفعون الضرائب، مجهدين بذلك التعليم الأردني ومستنفذين موارد الصحة والمياه، على حد قوله.

مستطردًا: “صحيح أن التنوع يثري المجتمع، ولكن الأردنيون لا يشعرون أنه يجب أن يأتي توطين اللاجئين على حسابهم”.

غير أنه أشار إلى مخاطر سياسية طويلة المدى تتخطى التأثير المباشر على الموارد أو التهديد المحتمل للأمن القومي، وذلك فيما يخص الملكية الدستورية الوراثية للأردن:

“بعد 15 إلى 20 سنة من الآن، ستجد الحكومة صعوبة في السيطرة على أساليب هؤلاء المستوطنين اليوم…. لقد نجحنا في دمج الفلسطينيين لأننا تاريخيًا أخوة. ولكن أنا أعتقد أن 20 أو 30 بالمئة من السوريين ونحو 57 ألفَ عراقي لن يتركوا الأردن. ووقتها ما الذي سيحدث لهيكل هذه الدولة؟”

أما بخصوص مخيم الزعتري التي تديره الأمم المتحدة على الجانب الآخر من الحدود، فهذه قصة مختلفة.

فقد عبر نحو 462 لاجئ سوري من درعا، المدينة السورية التي حولتها البراميل المتفجرة أنقاضًا، إلى مخيم مترامي الأطراف – أحد المخيمين الموجودين بالأردن – منذ الحرب الأهلية التي اندلعت في عام 2011. وهي الآن موطنٌ لما يقارب 80.000، وفقا للمفوضية السامية لشئون اللاجئين بالأمم المتحدة.

“سأعود لموطني حافي القدم إذ لزم الأمر. يجب علينا أن نعيد بناءها”

هذا هي الكلمات التي قالها محمد، الذي فضل كأغلب المقيمين الذين أجريت معهم مقابلات عدم نشر لقب عائلته خوفًا من الانتقام منه عند عودته أو من أفراد عائلته الذي ما زالوا يعيشون في سوريا.

محمد مصلح دراجات هوائية، يعيش في المخيم مع زوجتيه و15 طفلًا. قد اعتاد في درعا أن يبيع السجاد قبل مجيئه إلى هنا منذ حوالي سنتين ونصف. وهو ينظر الآن لما بدأ كانتفاضة شعبية ضد نظام بشار الأسد كغلطة، قائلًا: “الأغلبية هنا تظن أنه ما كان علينا أن نثور…. حتى إذا ظل الأسد في الحكم، فنحن نرغب في العودة، طالما نضمن سلامتنا”.

خاتمًا حديثه: “أحن إلى وطني. أحب بلدي وأرغب في العودة إليه”

Read in English

...قد ترغب أيضا