الدب الروسي يحتل مكان الصقر الأمريكي في سوريا

إسرائيل تسارع إلى بناء آلية لتجنب الخلاف مع موسكو

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يرحب برئيس الورزاء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أثناء الاجتماع خارج موسكو في 21 سبتمبر/ أيلول (تصوير: IVAN SEKRETAREV/AFP)

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يرحب برئيس الورزاء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أثناء الاجتماع خارج موسكو في 21 سبتمبر/ أيلول (تصوير: IVAN SEKRETAREV/AFP)

تل أبيب، إسرائيل ــــ مهَّد الفشل الأمريكي في الرد على الحكومة السورية بخصوص نشر الأسلحة الكيميائية والقنابل البرميلية وخلق أزمة اللاجئين الطريق لموسكو لفرض الوجود الروسي في بلد دمرته الحرب وما يتعداها من مياه البحر المتوسط الدافئة.

هذا، باختصار، هو تقييم السياسيين الإسرائيليين والخبراء هنا، الذين يلومون واشنطن في المساهمة في خلق تعقيدات اضافية فيما يخص العمليات الإسرائيلية ضد حزب الله، المؤسسة اللبنانية الشيعية الممولة من قبل طهران التي تصارع من أجل حكومة بشار الأسد.

يظهر هذا في تصريح لأحد الضباط الإسرائيليين رفيعي المستوى وصف فيه الوضع الأمريكي السوري قائلا: “إن الصقر الأمريكي قد سقط بصورة مزرية أمام الأسد السوري” كتشبيه عن بشار الأسد. معقبًا: “الآن، أصبح علينا جميعًا أن نتعامل مع الدب الروسي، والذي على ما يبدو أنه سيظل هنا للأبد”.

أصرَّ الضابط وجميع من أجريت معهم مقابلات أن الحاجة المفاجئة للمشاركة تكتيكيًا مع روسيا لن تقارن بالتعاون الإستراتيجي التي أقامته إسرائيل على مدار عقود مع نصيرتها واشنطن. كما أبدى الخبراء هنا أيضًا عن فهمهم العميق المتعاطف مع الرئيس بارك أوباما بخصوص الخيارات والقرارات الصعبة التي كان عليه اتخاذها في ظل مناخ محلي منقسم سياسيًا، والتي أثرت في فيما بعد بشكل سلبي على النفوذ الأمريكي في سوريا والمنطقة.

وقد لاحظ خبراء هنا أنه بعد أكثر من ثلاثة أعوام من توقف روسيا عن المبالاة بخطوط أوباما الحمراء فيما يتعلق باستخدام نظام الأسد للأسلحة الكيماوية ــ وسط دعوات متزايدة عاجزة تطالب الأسد بالتنحي ـــ  أصبح أقرب حلفاء إسرائيل وواشنطن يتطلعون لرئيس روسيا فلاديمير بوتين لفرض نظام في سوريا، التي أصبحت على حافة الزوال، والتي يسيطر عليها بصورة متزايدة المتشددين الإسلاميين السنيين من جبهة النصرة والدولة الإسلامية.

ومع وجود صور جوية وبالأقمار الصناعية تثبت التراكم الروسي المتزايد للقوات المسلحة والمنشآت العكسرية وعتاد المواجهة في سوريا، أعلن وزير الخارجية الألمانية فرانك والتر ستينميير دعمه العلني لاستعراض القوة الروسي؛ إذ صرح بذلك في 20 سبتمبر/ أيلول بمؤتمر صحفي  في برلين مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قائلا: “أنا أرحب بشدة… نمو التدخل العسكري الروسي في المنطقة”.

بعدها بيوم، وسط تأييد بخصوص انتشار جوي روسي آخر فوق مطار سوريا الساحلي في اللاذقية، سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لموسكو مع كبار القادة العسكريين في محاولة لتأمين “آلية مشتركة لتجنب الخلاف ” بين إسرائيل والقوات الروسية.

جاء هذا في تصريح لمسؤول إسرائيلي قائلا: “كانت نتيجة اللقاء المنعقد بتاريخ 21 سبتمبر/ أيلول بين بوتين ونتنياهو، أنه قرر عقد لقاء بين نواب رؤساء أركان حرب من الجيشين في أول أكتوبر لمناقشة تفاصيل آلية عدم النزاع في “المنطقة الجوية والبحرية والمجال الكهرومغناطيسي”.

وقد أشار نتنياهو، في بيان له بعد مقابلته في الكرملين إلى “أهمية تجنب الخلاف” بين القوات الروسية والتي قد تعمل بالقرب من القوات الإسرائيلية، احتمال قيامها بهجمات متعددة للقوافل المسلحة ومخازن السلاح ومصادر النيران الموجهة تجاه إسرائيل من الأراضي السورية في الأعوام الأخيرة، ذكر نتنياهو أنه قد ترك انطباعًا قويًا لدى بوتين بأن إسرائيل لن تسمح لحزب الله المدعوم من إيران أن يكون جبهة إرهاب ثانية ضد إسرائيل على هضبة الجولان.

“تتخذ إسرائيل بعض الإجراءات، وعندما تفعل ذلك، فإنه من المهم على الجميع، بما فيهم روسيا، أن تعلم كيفية سير الأمور بالنسبة لنا. وهذا أمر مهم أيضاً لكي نتجنب أي سوء تفاهم، ومن المهم أن نضع تلك الأمور في عين الاعتبار قبل حدوثها”.

فيما صرح مصدر إسرائيلي أن مثل هذا الخلاف سوف يزيد بالضرورة، نظرًا لوجود البحرية الروسية في المنطقة.

في 24سبتمبر/ أيلول، أعلن وزير الدفاع الروسي أنه قد تجرى تدريبات على إطفاء الحرائق بشكل مكثف قد تستمر لمدة شهر في شرق البحر الأبيض المتوسط ، “بما يشمل نيران صاروخية ومدفعية في البحر وأهداف محمولة جوًا”.

بالإضافة لما ذكره أيضًا في بيانه، أنه خطط ليستمر التدريب لما يقارب العام، وأنه لا علاقة له بالأزمة الحالية في سوريا، ومع ذلك فإن الغالبية هنا يراها مجرد استعراض آخر للقوة الروسية من قبل موسكو.

هذا وقد أصرَّ يعقوب عميدرور، الجنرال الإسرائيلي المتقاعد ومستشار الأمن الوطني السابق لنتنياهو، أن آلية عدم الخلاف الموضوعة هي مجرد آلية تكتيكية لا تلمح لأية اتفاقية بخصوص تعاون استراتيجي مع روسيا، قائلا: “في المناطق التي تتشارك فيها أكثر من دولة مصالحها العامة، يجب وجود آلية لعدم النزاع”.

ووفقا لعميدرور، فإن “الفراغ” الناشئ عن السياسات الأمريكية في المنطقة قد سمح لروسيا ــ  رغمًا عنها ــ  بإعادة فرض نفسها. قائلاً: “هذا واقع جديد يجب علينا جميعا استيعابه”.

“هذا لا يعني أنه علينا الموافقة على حكومة الأسد ومجرميها المدعومين من إيران، لكننا نحتاج إلى روسيا لفهم أن مصالحنا في سوريا محدودة جدًا. ولا يمكننا السماح للسوريين والإيرانيين بنقل قواعد اللعبة لحزب الله أو لبناء بنية تحتية لمهاجمتنا”.

يعتقد عاموس جلعاد، مدير السياسات والشؤون العسكرية السياسية لوزير الدفاع سابقًا أن الأسد يتحكم في 25 في المائة فقط من سوريا،فيما يقع الباقي تحت الصراع بين الدولة الإسلامية والقاعدة المتمثلة في جبهة النصرة من أجل السيطرة على الجولان. حيث جاء في بيانه: “في شمالنا، كانت هناك دولة تدعى من قبل سوريا. لكن تلك الدولة قد اختفت. لا يوجد سوريا الآن ولا أعتقد أنها سوف تعود أبدًا”.

ذكر ديما آدامسكي، أستاذ مساعد في مدرسة Lauder  الحكومية التابعة لمركز IDC للدراسات الدبلوماسية والاستراتيجية بهارتسليا، أن بوتين يسعى للعب دور بنائي في ظل الفوضى التي تمر بها سوريا والمنطقة من بعدها. كما قال في مقال في الشؤون الأجنبية ومقابلة له في الأسبوع الماضي، أنه يتوقع أن بوتين يضغط من أجل الحصول على تفويض من الأمم المتحدة للتوصل إلى حل دبلوماسي من أجل سوريا والتي على الرغم من الاعتراض الأمريكي، سوف تشمل الأسد وإيران.

وذكر آدامسكي في كلامه أنه توجد مخاوف استراتيجية حقيقية لروسيا تتعدى رغبات بوتين للحصول على موطئ قدم في المنطقة وتحصين الأسد، الحليف الإستراتيجي. وتتمثل تلك المخاوف في وقف انتشار الجهاديين الإسلاميين الذين قد يتسببون في عودة حركات التمرد في الأجور في روسيا ومصالحها في وسط آسيا وشمال القوقاز.

وعلاوةً على ذلك، فوجود موسكو في سوريا سيسمح لها باكتساب حلفاء جدد وفتح أسواق أسلحة في المنطقة مقابل إعادة تأهيل عزلتها في الغرب بسبب الاستيلاء على الأراضي في القرم وشرق أوكرانيا.

وقد ذكر آدامسكي أيضًا أن عقيدة البحرية الروسية الجديدة، التي نشرت في هذا العام تلعب دورًا مهمًا، إذ إنها تحدد الوجود الدائم لورسيا في الشرق الأوسط، بتأسيس منشأة بحرية في ميناء سوريا بمدينة طرطوس.

كما أضاف “اعتادت سوريا أن تكون مركز البحرية السوفيتية في أثناء الحرب البارد الأخيرة، وفيما يخص اتخاذ إجراءات حيال الأسطول السادس الأمريكي. والآن هي القاعدة البحرية الوحيدة للبحرية الروسية خارج الاتحاد الروسي، والمكان المعتاد الذي يعتبر بكل تأكيد جزءًا من خططهم”.

ووفقًا لخبير روسي، يؤدي دور بوتين بشكل روتيني في تمارين المناورات في إسرائيل، فإن عودة روسيا للمنطقة شيء مفروغ منه وعلى واشنطن وحلف الناتو وإسرائيل والآخرين في المنطقة تكييف سياستهم وفقا لذلك. حيث قال: “بوتين هنا ليبقى… وتكمن العقيدة الروسية التغلغل في مياه البحر المتوسط الدافئة وإيجاد موطئ قدم في الشرق الأوسط وهذا سوف يجبر إسرائيل والولايات المتحدة وتركيا والآخرين على إعادة الترتيب والتفكير حول كيفية تعاطيهم مع قضية سوريا منذ نهاية الحرب الباردة”.

وكان مما ذكره آدامسكي: 

“عن طريق بناء جيشه العسكري في سوريا، فإن بوتين يضع “خطوة ممتازة” بما يمكن أن يكون مفيدًا مع الوقت”.

“يمكنه معالجة العديدة من المشاكل عبر مجالات مختلفة: أن يحصن الأسد ويحارب الدولة الإسلامية ويحافظ على سوق الأسلحة والطاقة وكذلك في موقع جيد لفتح علاقة جديدة مع المنطقة وكسب حلفاء جدد. كما يمكنه من خلال الكنيسة الأرثوذكسية الروسية أن يصور نفسه على أنه مخلص الأقلية المسيحية في المنطقة من الاضطهاد.

كما أنه لاحظ في نفس الوقت أن بوتين “مدرك تمامًا لحدود استعراض القوة ومخاطر التدخل”، موضحًا أن موسكو تضع في اعتبارها عدم استهلاك قدراتها” كما حدث من الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة وكما حدث مع روسيا نفسها في أفغانستان والشيشان والآن أوكرانيا”.

البريد الإلكتروني: bopallrome@defensenews.com

Read in English

...قد ترغب أيضا