دراسة داخلية: منظومة الردع الإسرائيلية بحاجة إلى إصلاح شامل

جنود إسرائيليون يقفون عند ساحة الحائط الغربي في مدينة القدس القديمة في 30 أكتوبر. وثيقة داخلية توضح السبب الذي يدعو إسرائيل لإجراء تغيير شامل على طريقة تعاملها مع وسائل الردع. (جالي تيبون / شركة جيتي إيمدجز)

جنود إسرائيليون يقفون عند ساحة الحائط الغربي في مدينة القدس القديمة في 30 أكتوبر. وثيقة داخلية توضح السبب الذي يدعو إسرائيل لإجراء تغيير شامل على طريقة تعاملها مع وسائل الردع. (جالي تيبون / شركة جيتي إيمدجز)

تل أبيب – تنتظر منظومة الردع الإسرائيلية لإصلاح شامل بدءًا من نظرياتها الأساسية ولغتها مرورًا بالشؤون العملية المرتبطة بالأهداف الاستخباراتية والتخطيط للعمليات الحربية وصولاً إلى طريقة قتال الجيش وتوجيهه النصائح لقادة الحكومة.

وهذه استنتاجات وصلت إليها وثيقة داخلية نشرها مركز الأبحاث التابع لكلية الأمن القومي لقوات الدفاع الإسرائيلية (IDF/NSC).

في هذا المستند المكون من 43 صفحة، يقدم الجنرال يوسي بايداتز، رئيس كلية الأمن القومي وزميله بقسم الأبحاث في كلية الأمن القومي ديما أدامسكي، وهو محاضر بمركز هيرتزيليا متعدد التخصصات، نقدًا موجهًا بشكل أكاديمي ولكنه في نفس الوقت حادًا بدرجة كبيرة تجاه القيادة العليا الإسرائيلية وقدراتها على إحراز مكانة كبيرة في مجال فنون الحرب.

ووفقًا لما ذكراه فقد أوضحت عمليات إسرائيل القتالية في السنوات الماضية، وخاصة حملتها الأخيرة الجرف الصامد في غزة، أن هناك حاجة واضحة لتطوير طرق أكثر قوة لتصميم الحملات وإدارتها.

غالبًا ما يتم ارتجال جهود فكرية في مجال وسائل الردع بينما يجب أن تعتمد تلك الجهود على عقيدة منهجية راسخة.

بينما يقر الكاتبان أنه لن تكون هناك أبدًا خوارزميات دقيقة يمكن من خلالها قياس مدى فعالية وسائل الردع، فإنهما يدعوان إلى قدر أكبر من الاستثمار في الفكر التحليلي.

ففي مواجهة المنظمات الإرهابية والأطراف الفاعلة بخلاف الدول، يجب أن تطور إسرائيل “مفهومًا بديلاً أكثر عصرية وتطورًا وتناغمًا مع التعقيدات المطلوبة عند تصميم عمليات ضد أطراف فاعلة متباينة”.

يقول الكاتبان إنه لا يتم تكريس الاهتمام الكافي لما يطلقان عليه “نظرية الآخر” المرتبطة بالثقافة والمنطق والفكر الإستراتيجي الفريد لدى العدو.

الحاجة للمناقشة

يقول الكولونيل المتقاعد بقوات الدفاع الإسرائيلية أومير بارليف، وهو أحد صناع القوانين من حزب العمل الإسرائيلي المعارض وعضو بلجنة الشؤون الخارجية والدفاع بالكنيست إن الحقيقة المتمثلة في نشر هذا النقد التفصيلي بواسطة كلية الأمن القومي التابعة للقوات المسلحة “تشهد على أن قوات الدفاع الإسرائيلية تسير على المسار الصحيح”.

وعقب على ذلك قائلاً “نحن بحاجة لإجراء مناقشة عميقة وهادفة حول كيفية تحسين منظومة الردع وكذلك حول الطريقة التي يمكننا من خلالها أن نتعافى سريعًا في حالة فشل وسائل الردع عن طريق تحسين الاداء على جميع المستويات، بدءًا من المستوى السياسي الذي يفترض أن يوجه نوعًا من الإستراتيجية الرئيسية”.

أما عمير أورين، وهو محلل دفاعي من المحاربين القدماء يعمل لحساب صحيفة ها أرتز فقد كان أقل تفاؤلا.

فبينما كانت العديد من النتائج التي توصل إليها الكاتبان قيمة، وخاصة تلك المتعلقة بالحاجة لتحسين الاستخبارات الإستراتيجية وتوفير أدوات أفضل لتقييم ما يسمى بنقطة الذروة لوسائل الردع، فإن أورين لم يتوقع أي تحسين كبير.

فقد قال “إن هذا أمر جيد للمختبرات أو في عمليات المحاكاة التي تتم في كلية هارفارد للأعمال”.

وقد أقر أحد كبار الضباط بالقيادة العامة لقوات الدفاع الإسرائيلية والذي كان له دور محوري في التخطيط للحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة بوجود “ظروف مفتقدة”، والتي كان من الممكن أن تحول دون وصول التصعيد إلى نقطة اللا رجوع في استخدام وسائل الردع.

قال هذا الضابط “هناك أماكن قليلة قامت بتطوير منظومة للردع المتبادل مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. ولكن في معظم الدول الأخرى وخاصةً هنا، لا تتوفر مثل هذه الأدوات. فليس لدينا هاتف مباشر للتواصل فورًا مع حماس أو حزب الله”.

“كل طرف يفسر الأحداث بطريقته الخاصة. وأضف إلى ذلك التعقيد المصاحب للتعامل مع منظمة إرهابية يجلس بعض قادتها في أحد فنادق الخمس نجوم في الدوحة ويختبئ باقي قادتها في مراكز قيادة أسفل الأرض في غزة”.

الرضا عن النفس المزعوم

يقول الكاتبان إن الاستخبارات الإسرائيلية بحاجة إلى النظر للعدو بصفته نظامًا متكاملاً ومعقدًا. وإذا لم يحدث ذلك فإنهما يحذران من أن مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي الذي يتلقى تمويلاً هائلاً ويستمر في التطور يعرض نفسه لخطر التهميش ليصبح مجرد موفر للبيانات المستهدفة.

وذكر الكاتبان “من المتوقع الآن بشكل أكثر من الماضي أن توفر الاستخبارات للمصممين التشغيليين تشخيصات متواصلة حول “اختلاف” إستراتيجية العدو والتغيرات التي سوف تؤثر عليها بمرور الوقت”.

وبالمثل، يميل مخططو الحروب بقوات الدفاع الإسرائيلية إلى التركيز بشكل مفرط على التفكير التكتيكي وأنظمة تسليح معينة متاحة للمقاتلين.

كما قال الكاتبان “من الناحية التاريخية، فإن التصميم التشغيلي لقوات الدفاع الإسرائيلية لا يلتزم بمنطق متناسق يربط بين الأهداف الإستراتيجية عالية القيمة وبين المهام التشغيلية على المستوى الأدنى”.

كما ينتقد الكاتبان القادة الحكوميين لاعتمادهم على القدرة العسكرية لتعويض النقص في الإستراتيجية العامة. فقد ذكر الكاتبان أن “تجربة السنوات الماضية تدعم المزاعم القائلة بأنه رغم أن عمليات الردع يمكنها في النهاية توفير الهدوء بصفة دورية، إلا أنها لا تحل المشكلات الرئيسية” فيما يتعلق بالعدو.

“قد يتسبب هذا في وجود رضا زائف عن النفس لدى القادة الإسرائيليين، وبهذا يجعلهم يشعرون بعدم الحاجة لابتكار إستراتيجية”.

كما أشار الكاتبان إلى مسؤولية الحكومة عن توصيل رسائل واضحة وذات مصداقية إلى الأعداء والخصوم. قد يؤدي عدم القيام بذلك إلى انهيار المنظومة الدفاعية.

أضاف الكاتبان “يجب أن يستوعب العدو التهديدات وأن يدرك أنها حقيقية وليست جوفاء”.

كمثال ينطبق على إيران وسوريا والأعداء الآخرين، أشار الكاتبان إلى الحاجة إلى “وضع خطوط حمراء دون التحفيز على التصعيد وشن حرب على نطاق واسع”.

وكذلك هناك مثال آخر وثيق الصلة بعملية إسرائيل الأخيرة الجرف الصامد ضد حركة حماس المرتكزة في غزة استشهد به الكاتبان قائلين “إرسال رسالة مفادها أنه لا توجد عملية معينة تستهدف وجود العدو نفسه، بل إنها موجهة ضد تصرف معين غير مقبول”.

وذكر بايداتز، عضو بالقيادة العامة لقوات الدفاع الإسرائيلية وأدامسكي وهو أيضًا زميل بكلية الأمن القومي إن إسرائيل تنظر بصورة خاطئة إلى عمليات الردع وتلك العمليات التي تستهدف التأثير على قرارات العدو بأنهما طرفا نقيض.

هذا في حين أنها تمثل “عوامل متكافئة مثالية” يجب توظيفها على نحو مشترك.

وفي النهاية، تشير الدراسة إلى الخطر الذي تتعرض له إسرائيل والمتمثل في تجاوز ما يسمونه “نقطة الذروة لوسائل الردع”، وهي صورة معدلة من نقطة الذروة بالنسبة للهجوم أو النصر، حيث إن التصرفات التي تستهدف ردع الأعمال التصعيدية تنتهي بالتسبب في نشوب حرب.

إن الخطأ في حساب هذه النقطة التي ابتكرها أدامسكي للمرة الأولى في دراسة أجريت في فبراير عام 2013 ونشرت في مجلة الدراسات الإستراتيجية قد يؤدي إلى انهيار شامل في المنظومة الدفاعية.

يقول أدامسكي “في إطار حاجتها لضمان وجود تطلعات للنجاح التكتيكي، يجب ألا تفقد قوات الدفاع الإسرائيلية نقطة الذروة بالنسبة لوسائل الردع، فهذا يصعد أو تنتج عنه بيئة إستراتيجية أكثر تعقيدًا وصعوبة”.

ويوافق داني ياتوم، جنرال متقاعد بقوات الدفاع الإسرائيلية والمدير السابق لوكالة الاستخبارات الإسرائيلية الموساد على أن هناك حاجة لتحديث التفكير والتخطيط المرتبط بوسائل الردع في إسرائيل.

فقد قال ياتوم “يعتمد الردع في جزء كبير منه على علم النفس والفن التحليلي، وهذا العنصر الرئيسي يكون في العادة أكثر قوة عندما نتعامل مع دول وليس مع منظمات إرهابية”.

وعقب على ذلك قائلاً “لا شك أن تبني عمليات أفضل تقوي وسائل الردع ستجعل من الأسهل إقناع المستوى السياسي باتخاذ خيارات أكثر حكمة من الخيارات العسكرية التي تقترحها قوات الدفاع الإسرائيلية”.

بريد إلكتروني: bopallrome@defensenews.com.

Read in English

...قد ترغب أيضا