إسرائيل ترفض خطة أمريكا بشأن وادي الأردن الاستراتيجي

A view of the Jordan Valley. (Nir Alon)

منظر لوادي الأردن. (نير آلون)

قاعدة “جيدرون” الأمامية، قمة جبل “سارتابا”، وادي الأردن ― في حين يقوم وزير الخارجية الأمريكي “جون كيري” بوضع اللمسات الأخيرة لبعض المقترحات لاتفاق سلام بين إسرائيل وفلسطين، لا تزال هناك خلافات متزايدة بشأن هذا الوادي الاستراتيجي على نهر غرب الأردن لدرجة أن جزءًا كبيرًا من المجتمع الدولي يريد من إسرائيل التخلي عنه.

وبعد شهور من الجولات الدبلوماسية المكوكية التي قام بها “كيري”، وآلاف الساعات من الحوار الاستراتيجي الذي قاده “جون آلن” جنرال متقاعد بمشاة البحرية الأمريكية، لا يزال القادة الإسرائيليون مصممين بقوة على استغلال مساحة الوادي لأكثر من 80 كيلومتر طولًا، وحتى 7 كيلومترات في العمق على امتداد المنطقة من أجل توفير التكنولوجيا، وضمانات أمنية للولايات المتحدة ودوريات القوات المسلحة المشتركة.

ويُصر الخبراء هنا على أن كيري وآلن لم يقدما حتى الآن صيغة نهائية للخطة الأمنية الأمريكية، ولكن المقترحات السابقة التي تفرض على المدي الطويل وجود قوات عسكرية مشتركة ومُمكنة تكنولوجيًا، لا تتفق مع حق إسرائيل الأساسي في الدفاع عن الحدود.

وذكر اللواء المتقاعد “عوزي ديان”، مستشار الأمن القومي السابق والذي قاد المنطقة التي يوجد بها وادي الأردن، قائلًا: “ليست هناك وسيلة لتوفير الأمن عن طريق القوات الأجنبية أو التكنولوجيا المتقدمة. وإذا كانت هناك أزمة، فالتاريخ أثبت لنا أن القوات الأجنبية هي أول شيء يختفي، وأن الأقمار الصناعية وطائرات التجسس بدون طيار وجميع الأشياء الجيدة الأخرى لا يمكن أن تُعوض سيطرة جيش الدفاع الإسرائيلي على هذه الأرض وعلى المجال الجوي لهذا القطاع الحيوي”.

ويقول “ديان” بأن التخلي عن هذه الأراضي الأردنية السابقة التي احتلتها إسرائيل في عام 1967 فيما عُرف بحرب الأيام الستة هو بمثابة الإعلان عن حرب أخرى.

وأضاف قائلًا: ” نحن لا نعرف ماذا سيكون في العراق أو سوريا ولكننا قلقون كثيرًا بشأن ما قد يحدث في الأردن. لذلك يجب علينا المحافظة على هذا الحد الأدنى من العمق الاستراتيجي لمكافحة التهديدات الخارجية والإرهاب إذا كنا لا نريد لهذا المكان أن يصبح جنوب لبنان آخر أو غزة أخرى.”

 وتقول المصادر هنا بأن المقترحات الأمنية الأمريكية المُنَقَّحة والتي تعتبر أكثر ملاءمة لإسرائيل كانت غير واضحة أثناء مقابلة كيري مع رئيس الوزراء الاسرائيلي “بنيامين نتنياهو” الأسبوع الماضي في دافوس، سويسرا. كما أضافت المصادر أنه من غير الواضح ما إذا كان لدى وزير الدفاع الأمريكي “تشاك هيجل” أي شيء جديد سيقدمه لنظيره الإسرائيلي “موشيه يعلون” عندما يلتقي الاثنان في مؤتمر حلف شمال الأطلسي في ميونيخ نهاية هذا الشهر.

وقد تسربت بعض التفاصيل من المشاورات الاستراتيجية الجارية. وبالرغم من ذلك، يري الخبراء هنا بأن الخطة تدعو إلى تواجد قوات حفظ السلام الدولية على الجانب الأردني من الحدود مع وجود إسرائيلي طويل الأجل لكنه محدود –خالِ من المستوطنين المدنيين– في مجرد جزء من المنطقة والتي سيعترف طرفي الاتفاق بأنها الحدود الشرقية التابِعة للسيادة الفلسطينية.

وفي اجتماع مركز “سابان” في واشنطن في الشهر الماضي قال الرئيس الأمريكي “باراك أوباما”: “نحن نتفهم حقيقة أننا لا يمكننا أن نُملي على إسرائيل ما الذي تحتاجه من أجل أمنها الخاص.”  ومع ذلك، ذكر “أوباما” أن المشاورات الأمنية التي قادها “آلن” قد حددت أن التكنولوجيا بجانب “أفكار إضافية” أخرى — بما في ذلك ما أسماه “فترة انتقالية” — يمكن أن تجيب على المخاوف الأمنية لإسرائيل.

في الوقت الذي يجب أن تحسم إسرائيل قرارها، صرح أوباما بأن الجنرال “جون آلن” اختتم كلمته قائلًا أنه: “من الممكن الوصول إلى حل بين البلدين يحافظ على الاحتياجات الأمنية الأساسية لإسرائيل.”

 ويقول “كيري” بأن التقديرات تُشير إلى أن هناك أكثر من 160 خبير أمني أمريكي — بما في ذلك العشرات من مكتب وزير الدفاع، ووكالة التعاون الأمني الدفاعي، ووكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة، وهيئة الأركان المشتركة وجميع فروع الخدمة — يعملون مع “آلن” لضمان أن: “ما نضعه على طاولة المفاوضات هو شيء جاد للغاية، وحقيقي، وذلك لأن الرهانات كبيرة.”

وقال “كيري” متحدثًا في نفس الاجتماع في مركز “سابان” أن الخطة الأمنية النهائية التي تقدمها الولايات المتحدة ستكون “متطورة جدًا” وستضمن أيضًا “أن الحدود على نهر الأردن ستكون قوية كأي حدود أخرى في العالم، بحيث لن تكون هناك أي مخاوف حول أمن المواطنين سواء — الإسرائيليين أو الفلسطينيين — الذين يعيشون ناحية الغرب.

ولكن مع اقتراب واشنطن من لحظة الحسم عندما يجب على كلا الطرفين إما قبول أو رفض الإطار الأمريكي المُقترح، تزداد دعوات إسرائيل المتشددة لرفض مفاوضات السلام التي يقودها “جون كيري”.

المعارضة المتشددة

يتآمر وزراء الحكومة لوضع خطط إجرائية داخل الأحزاب من أجل تقويض دعم “نتنياهو” الواضح لمحادثات السلام الجارية وعرقلة مساعي واشنطن للتوصل إلى اتفاق الدولتين.

فوزير الاقتصاد “نفتالي بنيت”، رئيس ثالث أكبر كتلة انتخابية في إسرائيل والتي تعارض دولة فلسطين أيديولوجيًا، يتآمر عَلانِيَة مع الأعضاء الأكثر تشددًا في “حزب الليكود” التابع له “نتنياهو” من أجل إفشال العملية التي يقودها “كيري.”

وإذا كان هذا غير كافِ، فإن المشرعين القانونيين في حزب “الليكود” يضغطون من أجل الاستيلاء على وادي الأردن — وهو تصرف يقول الخبراء بأنه لن يتم الاعتراف به طبقًا للقانون الدولي، ولكن سيقوم بتدمير فرص السلام لجيل قادم أو أكثر.

وحتى “يعلون”، الذي تربطه علاقات شخصية وثيقة مع “هيجل”، نظيره في البنتاجون، لم يتمكن من إخفاء عدم احترامه للجهود التي يقودها “كيري” للتوصل إلى اتفاق سلام مع يعتبره شريكًا غير مرغوب فيه وغير جدير بالثقة.

كما اضطر “يعلون” إلى الاعتذار عن الحملة الإعلانية والهجوم الشخصي العنيف الذي نُشر في 12 يناير في “يديعوت احرونوت”، أكبر الصحف اليومية في إسرائيل، في هجوم عنيف ضد تصرفات كيري والتي تأتي – من وجهة نظره – انطلاقًا من “هوس غير مفهوم” وحماسة تبشيرية” في السعي إلى خطة السلام والتي كانت” لا تساوي الورق الذي طُبعت عليه.”

وفي الوقت الذي أعلن فيه “يعلون” أسفه عن هذه اللهجة الهجومية العنيفة في خطابه، أكدت بعض المصادر أن عضو جماعة “الكيبوتس” الصريح في كلامه لا يزال متمسكًا بمضمون تصريحاته.

وقال رئيس الأركان السابق أثناء لقاء معه في 16 يناير في القدس أن: “أجهزة الاستشعار وطائرات التجسس بدون طيار ليست بديلًا عن الوجود المادي لجنود قوات الدفاع الإسرائيلية. وادي الأردن هو مكان حيوي لأمن إسرائيل، ونحن لا نوافق على وجود طرف ثالث يحل مكاننا هناك.”

وبالنسبة لنتنياهو، فما زال رئيس الوزراء الإسرائيلي داعمًا بشكل واضح للدبلوماسية التي تقودها الولايات المتحدة، ولكنه يشك بشكل متزايد أن هذه العملية سوف تؤدي إلى وضع حد للمطالبات الفلسطينية والاعتراف بحق اسرائيل الدائم في الوجود كدولة يهودية. وقد أصر مرارًا وتكرارًا أن الأمن الإسرائيلي “لا يمكن الاستعانة فيه” بقوات أجنبية — “ولا حتى أقرب الأصدقاء والحلفاء” — وأن الوجود الإسرائيلي في وادي الأردن يعتبر أهمية قصوى لحقها في الدفاع عن الحدود.

وفي اجتماع يوم 16 يناير للصحافة الأجنبية في القدس في أعقاب اجتماع عُقد في نفس اليوم مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، قال “نتنياهو” بأن كلا البلدين متفقين على أن أي اتفاقية سلام مُحتملة تقوم بها فلسطين يجب أن تضمن الأمن على طول حدودهما المشتركة. وأن أي اتفاق مع الفلسطينيين يجب ألا يراعي محيط نهر الأردن فقط، “ولكن ما يحدث داخل هذا المحيط أيضًا.”

 وأكمل “نتنياهو”: “تعتبر هذه الأسئلة مهمة للغاية، ولكن إذا لم نتعامل معها بشكل صحيح فلن نحصل لا على السلام ولا على أيضًا.”

خط الدفاع الأول

على ارتفاع 1200 متر، يوجد عمود الإنذار المبكر ضمن أكثر من عشرة من محطات المراقبة التي تُحكِم السيطرة على المناطق المرتفعة لوحدة عسكرية في أسفل الوادي، والتي تنحدر إلى أدنى نقطة على الأرض في البحر الميت. يوجد لدي الوحدات العسكرية في الوادي خمسة ممرات فقط والتي من خلالها تتم المناورة عند مواجهة التهديدات خارج الحدود.

قبل معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن في عام 1994، كانت الأنتينا الهوائية ذات الكفاءة العالية وأجهزة الاستشعار الإلكتروبصرية على هذا العمود وغيره من الأعمدة الموجودة على قمم التلال هي بمثابة إنذارات أسلاك التعثر للهجوم التقليدي من الشرق. ولكن في السنوات العشرين الماضية، يتم توجيهها بصفة أساسية في الاتجاه المُعاكس في معركة إسرائيل ضد مقاتلي الضفة الغربية.

في حين تعتبر إسرائيل أن هذا الوادي هو خط الدفاع الأول لها ضد التغيرات الإقليمية للأنظمة التي يمكن أن تشعل الجبهة الشرقية المستقرة، يري الفلسطينيون أنها تمثل ربع الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل والتي يجب أن تكون ركيزة لبناء دولتهم في المستقبل. المنطقة هي موطن لــ 57 ألفًا من الفلسطينيين، وحوالي 6 آلاف منهم يعمل ويعيش بين 7 آلاف من الإسرائيليين المقيمين في 21 من المجتمعات التي يضمها المجلس الإقليمي لوادي الأردن.

وفي مقابلة أجريت معه مؤخرًا، أقر رئيس المجلس “ديفيد الهايني” في تصريحات لمجلة Defense News بأن الفلسطينيين يستحقون أن تكون لهم دولة، ولكن ليست الدولة التي تضم وادي الأردن. ومع ذلك “إذا قررت الحكومة أن علينا أن نغادر الوادي، سوف نفعل ذلك. فهذه دولة ديموقراطية.”

وقد أظهر بعض جنرالات الجيش الإسرائيلي المتقاعدين وخبراء الأمن في الأسابيع الأخيرة دعمهم لفكرة تبادل وجود القوات العسكرية في وادي الأردن بأن تحل محلهم التكنولوجيا. والبعض قال بأن الأسلاك الكهربائية العازلة، بالإضافة إلى وجود شبكة متكاملة من أجهزة الاستشعار والقناصين من الممكن أن تكون حلًا مقبولًا لهذا العمق الاستراتيجي، والتي تحت أي ظرف تتم المواجهة فيها بالصواريخ والقذائف.

وصرح اللواء المتقاعد “مئير داغان”، ورئيس الموساد السابق، لمجموعة من النشطاء المحليين، قائلًا: “ليس لدي أي مشكلة مع المطلب السياسي بأن وادي الأردن يجب أن يبقي جزءًا من إسرائيل. ولكن ما يزعجني أن يتم تقديم هذا المطلب على أنه نوع من المشكلة الأمنية.”

ولكن التقييم الفني من هيئة الأركان العامة لجيش الدفاع الإسرائيلي ومعظم الخبراء هنا ذكر بأن الجيش الإسرائيلي يجب أن يُبقي على ثلاث كتائب مدرعة، وعلى الأقل اثنين من الأعمدة الاستخبارية الموجودة على قمم التلال وعلى تواجدها في الممرات مهما يتكلف الأمر لضمان أن الدولة الفلسطينية المستقبلية — مثل الأردن — مُلتزمة بالسيطرة على أرضها.

وقال اللواء المتقاعد “جيورا إيلاند” متحدثًا عن الطريق الرئيسي الذي يربط بين بحر الجليل في الشمال والبحر الميت في الجنوب: “إذا أردنا أن يكون لنا وجود مُؤَثِّر يسمح لنا لمكافحة الإرهاب، وعمليات التهريب والتهديدات الخارجية، فإن الحد الأدنى للعمق يجب أن يكون من النهر حتى طريق 90، بمتوسط ​​5 كيلومترات على طول الحدود بأكملها.”

ولكن “ايلاند”، وهو مدير التخطيط السابق لجيش الدفاع الإسرائيلي ومستشار الأمن القومي، قال بأن هذا ليس كافيًا لجيش الدفاع الإسرائيلي من أجل السيطرة على الطريق؛ لذلك يجب علينا الاحتفاظ بالأعمدة الموجودة على قمم التلال والتي تُطل على الطريق. وبخلاف ذلك، لا يمكن للقوات العسكرية أن تقوم بالمناورة وتصبح المنطقة بمثابة فخ. وإذا تصارحنا في كل شيء، فنحن نتحدث عما ما لا يقل عن 400 كيلومتر مربع.

وأكمل قائلًا: “وهذا ما يعادل 7.5 % من الضفة الغربية وهناك فرصة ضئيلة جدًا أن يوافق الفلسطينيون على تواجدنا المستمر والمتجاور في مثل هذه المساحة الكبيرة ولهذا الوقت الطويل.”

 البريد الإلكتروني: bopallrome@defensenews.com.

Read in English

...قد ترغب أيضا