معركتان تلوحان في الأفق بعد سقوط الفلوجة

Deteriorating Situation: Iraqi soldiers stand along a road close to their vehicle in the area of Ein Tamer, Iraq, on Jan. 6. Lawmakers from both parties on Capitol Hill claim the White House has failed to take action to stem the unrest there. (Ahmad al-Rubaye/AFP/Getty Images)

وضع متدهور: جندي عراقي يقف على جانب الطريق بالقرب من سيارة عسكرية في منطقة عين تامر بالعراق في يوم 6 يناير. ويدّعي مشرِّعو القانون من كلا الجانبين في الكونجرس أن البيت الأبيض لم يتخذ إجراءات لوقف الاضطرابات هناك. (أحمد الربيعي/وكالة فرانس برس/ جيتي إيميدجز)

واشنطن- في الوقت الذي كانت فيه عناصر الجيش العراقي وميليشيات السنة تطوِّق مدينتي الفلوجة والرمادي من أجل الإعداد لما يمكن أن يكون إما حرب شوارع أو إنسحاب متفق عليه إثر التفاوض مع المقاتلين التابعين لنظام القاعدة؛ كانت معركة أخرى مختلفة تدور رحاها في واشنطن.

تواجه إدارة أوباما انتقادات واسعة لطريقة تعاملها مع الدور الذي تقوم به الولايات المتحدة في العراق بعد مغادرة آخر دفعة من القوات الأمريكية من هناك في ديسمبر 2011، ويعمل كل من البيت الأبيض والبنتاجون بسرعة من أجل تهدئة الأوضاع العاصفة في الكونجرس.

انتقد بشدة مساعدو رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ السيناتور “روبرت مينينديز” في ولاية نيو جيرسي إدارة الرئيس أوباما الأسبوع الماضي مشيرين إلى فشلها في إشراك الكونجرس معها بشكل بنّاء في اتخاذ القرارات السياسية مما أدى إلى تأجيل بيع أنظمة أسلحة معينة للعراق.

وقد أعرب “مينديز” وآخرون عن قلقهم إزاء الخطط الأمريكية لبيع بغداد عدة مروحيات هيليكوبتر قتالية من طراز أباتشي. إلا أن مشرعي القانون قلقون من إمكانية استخدام الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة بقيادة رئيس الوزراء العراقي “نوري المالكي” هذه الأنظمة في الهجوم على الجماعات السنية المعارضة لها في محافظة الأنبار.

ووسط النقاش المحتد حول المساعدات الأمريكية وسياستها الراهنة، كثيرًا ما تُغفل حقيقة أن الولايات المتحدة باعت أو تبرعت بمعدات تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات إلى قوات الأمن العراقية. ففي شهر يوليو من عام 2013 وحده، أعلنت الولايات المتحدة عن بيعها أسلحة للعراق بقيمة 4 مليارات دولار، شملت 50 سيارة عسكرية من نوع “سترايكر” لجنود المشاة ومروحيات هيليكوبتر وقذائف ومعدات اتصال إلى جانب إمدادات لوجيستية مقترحة بقيمة 750 مليون دولار وعقد صيانة يضمن سلامة جميع المعدات في المستقبل.

صرح المسئول السياسي في وزارة الدفاع الأمريكية “جايمس ميلر” في مؤتمر صحفي له قبل تقاعده في الثامن من يناير قائلًا أن المبيعات العسكرية الخارجية المعقدة تستلزم وقتًا وتخطيطًا لإتمامها بشكل صحيح وقانوني.

وتابع قوله: “دائمًا ما نرغب في العمل بسرعة أكبر، لكننا عملنا على تسريع عمليات تقديم المساعدات العسكرية الأجنبية وأنظمة المبيعات العسكرية الخارجية إلى أقصى حد ممكن”. وكانت الولايات المتحدة قد باعت بالفعل أكثر من 300 دبابة من طراز “أبرامز” للعراق إلى جانب 36 طائرة مقاتلة من طراز F-16 من المقرر تسليمها في عام 2018.

كما تفخر العراق بامتلاكها ناقلات مشاة أمريكية الصنع من طراز M113 “هامفي” Humvees و”رافن” Raven وطائرات “سكان إيجيل” ScanEagle وطائرات نقل من طراز C-130 وقوافل طائرات “سيسنا” Cessna 208 مزودة بصواريخ “هيلفاير” Hellfire.

أزاح “ميلر” أيضًا بعض الانتقاد عن السياسة الأميركية في العراق بالإشارة إلى انتشار الاضطرابات في سوريا وفي ديناميكيات السياسة في العراق.

وأضاف: “إنني لا أرى أن ما حدث منذ انسحابنا من العراق نتيجة فشل في سياسة الأمور هناك. إنني أرى أن ما يحدث هو جهد متواصل للعمل مع العراق من أجل تعزيز قدرتها على مكافحة الإرهاب”.

وعلى الرغم من ذلك، أصرّ السّيناتور “جون ماكين” عن الحزب الجمهوري من ولاية أريزونا، على أن العراقيين “بحاجة للمزيد”. فهم يحتاجون لامتلاك قدرات استخباراتية. وبحاجة للمزيد من القدرات الجوية. والمزيد من القدرات التخطيطية”.

من ناحية أخرى فإن الديمقراطيين من أمثال السيناتور “كارل ليفين”- رئيس لجنة خدمات القوات المسلحة بمجلس الشيوخ عن ولاية ميتشيجان- والسيناتور “بن كاردين”- العضو البارز في لجنة العلاقات الخارجية عن ولاية ماريلاند يقولون أنهم يدعمون إتمام صفقات بيع أسلحة إضافية تتجاوز كمياتها الشحنات التي حدّدها البيت الأبيض الأسبوع الماضي لإتمامها على وجه السرعة. ولكنهم يؤيدون ذلك بشروط.

قال “ليفين”: “يجب على بغداد أن تفعل المزيد من ناحية التعاون مع الجماعات السنية التي ترغب في الحفاظ على سيادة العراق، والذين لا ينتمون إلى تنظيم القاعدة وليسوا متطرفين”. كما يجب على الولايات المتحدة أيضًا “أن تحظى بتأكيدات حيال الأغراض والجهات التي سيتم استخدام هذه الأسلحة ضدها. إنني مع تقديم مساعدات عسكرية إضافية للعراق فقط في حال الحصول على تأكيدات حيال هذه المخاوف”.

يتفق “ماكين” مع هذا الرأي في تصريحه لمجلة “أخبار الدفاع” “ديفنس نيوز” من حيث حاجة “المالكي” “للتواصل مع السُنّة في محاولة للوصول إلى نوع من المصالحة”. كما أكدّ قائلاً “في حال بقينا هناك كانت هذه المصالحة ستتم. ولكن ما حدث هو أننا غادرنا وساءت الأمور من بعد ذلك كما توقعت تمامًا”.

في الوقت الذي انقسم فيه الأعضاء حيال تقديم مساعدات أخرى إلى شحنات الأسلحة الإضافية للعراق، اتفق الجميع على رفض الدفع بقوات قتالية أمريكية لمساعدة القوات العراقية في تهدئة الاضطراب. علّق “كاردين” على ذلك قائلاً: “أريد التأكد من وجود قدرات – قدرات محلية – كافية للقيام بهذه المهمة دون مساعدة الأمريكان. ولا أريد أن تكون هذه مجرد ذريعة لمواصلة المشاركة العسكرية الأميركية في هذه العمليات”.

في الوقت الذي تظل فيه السياسة الداخلية العراقية والوضع العرقي الداخلي معقدًا كما كان إبان الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، يرد المسئولون في واشنطن على انتقادات الكونجرس بإبراز جميع القدرات التي يتم إعدادها في هذا الصدد.

صرحت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي “برناديت ميهان” لمجلة “أخبار الدفاع” “ديفنس نيوز”  في يوم 8 يناير قائلة: “إننا مستمرون في تسريع تسليم مبيعاتنا العسكرية الخارجية كما نتطلع أيضًا لتوفير شحنة إضافية من صواريخ “هيلفاير” Hellfire في أقرب وقت خلال فصل الربيع الحالي”.

كانت الولايات المتحدة قد أعلنت تقديمها 10 طائرات مراقبة أخرى بدون طيّار من طراز “سكان إيجيل” ScanEagle خلال الأسابيع القليلة القادمة إلى جانب الطائرات العشرة التي تملتكها العراق بالفعل بالإضافة إلى 48 طائرة مراقبة من طراز “رافن” Raven خلال هذا العام. أضافت “ميهان” قائلة: “من شأن هذه الطائرات أن تساعد العراقيين على تعقُّب العناصر الإرهابية الناشطة داخل البلاد. كما قدمّنا لحكومة العراق في سبتمبر 2013 مناطيد مراقبة من نوع “أيروستات” بالإضافة إلى تسليم 3 مروحيات إضافية من نوع Bell IA-407 في شهر ديسمبر 2013 ليصل إجمالي ما تم شراؤه وتسليمه للعراق إلى 30 طائرة. وتستخدم هذه الطائرات في [الاستطلاع] والمراقبة لدعم القوات البرية في [عمليات مكافحة الإرهاب]”.

أسئلة حول القدرات العسكرية

ومع ذلك، تظل المعدات العسكرية أحد العوامل المهمة؛  حيث تمثِّل الاحترافية العسكرية والكفاءة التكتيكية عوامل أخرى مهمة أيضًا.

كانت المرة الأخيرة التي واجه فيها الجيش العراقي عدوًا له على نطاق واسع ومستمر في عام 2008، عندما دفعت القوات العراقية بميليشيات الشيعة المسلحة إلى خارج مدينة البصرة – بمساعدة كبيرة من الولايات المتحدة بعد البداية الكارثية أثناء تنفيذ العملية-  بالإضافة إلى مواجهة أخرى تمت خلال السنة ذاتها مع الميليشيات المسلحة في مدينة الصدر في بغداد والتي تم التغلب عليها أيضًا بمساعدة الولايات المتحدة.

علّق “مايكل نايتس”- زميل برنامج ليفر في معهد واشنطن ومتخصص في الشؤون الأمنية لدولة العراق ودول الخليج العربية- على هذا بقوله: “وعلى الأرجح لم تتم أيه عملية أخرى منذ ذلك الوقت”.

ولكن المختلف هذه المرة هو أن العراقيين لن يحظوا بكوادر أمريكية ذات خبرة- من مخطِّطين وأخصائيّن لوجستيّين وطائرات بدون طيّار ومساندة جوية قريبة وكافة سبل النقل الجوي الذي قد يحتاجونه – لتقديم المساعدة عند توقّف إطلاق النّار.

وأضاف “نايتس” أنه بسبب الالتزامات الضخمة للبرنامج الاجتماعي وارتفاع رواتب الوزراء في الحكومة “يعدّ الجيش العراقي بالفعل أحد أكثر الجوانب الأقل تمويلاً في الحكومة” مستعرضًا سلسلة من القضايا التي لم تُحل والتي لا يمكن التنبّؤ بشأن الطريقة التي سيتّبعها الجيش في التعامل مع أي عمليات جديدة واسعة النطاق.

وتابع “نايتس” قوله: “لقد بدأت قوات مكافحة التمرد التي دربتها وجهزتها الولايات المتحدة في عام 2008 تفقد الكثير من مهاراتها وتتغيب عن العمل” مما جعل بغداد غير قادرة على تهدئة الاضطراب في المنطقة. وبسبب عدم صيانة المعدات الأمريكية القديمة التي تم منحها للحكومة العراقية إبان مغادرة القوات الأمريكية البلاد، كانت هذه القوات تعاني من حالة من التعب والإرهاق بسبب محاربتها التمرد لما يزيد على ثمان سنوات”.

كما حذّر “نايتس” من أن كثيرًا من التدريبات التي قدمتها القوات الأميركية خلال السنوات الأخيرة أثناء مشاركتها في هذه العمليات ركّزت على مهارات الحرب التقليدية مثل مهارات المناورة لكتائب المدفعية وتنظيم أفواج الدبابات. “وعلى الرغم من أهمية هذه الأشياء في مكافحة التمرد، إلا أننا فقدنا القدرة على دعم قواتهم الخاصة وهذا هو المطلوب القيام به فعلاً ” في محافظة الأنبار اليوم.

صرح البنتاجون الأسبوع الماضي أنه كان يدرس مسألة تدريب وحدات القوات الخاصة العراقية في مناطق قريبة في الأردن. وقد أوردت التقارير أن رئيس قوات العمليات الخاصة الأمريكية للقيادة المركزية الأمريكية اللواء “مايكل ناجاتا” قد زار العراق في شهر ديسمبر لطرح مسألة مناقشة تدريب الولايات المتحدة لدى المسؤولين العراقيين.

وتابع “نايتس” قوله: “لا يستطيع “المالكي” تحمّل تبعات الفشل في محافظة الأنبار”. إذا لم تنجح القبائل ورجال السياسية من السُنّة الذي يقومون بدور الوسيط بين المتمردين وبين الحكومة، وإذا لم تفلح الحكومة في بغداد في إقناع تنظيم القاعدة بترك المدينة، فسيأتي الدور على الجيش ليتحرك.

كانت المعارك محتدمة بالفعل منذ عدة أسابيع في الوقت الذي تتهم فيه منظمة هيومان رايتس ووتش الحكومة العراقية في يوم 9 يناير باستخدام “قذائف الهاون العشوائية في الأحياء المدنية في محافظة الأنبار”.

يواصل الجيش تضييق الخناق في مدينة الفلوجة بعد إغلاقه نقاط التفتيش خارج المدينة من ناحية الشرق والشمال والجنوب ورفضه السماح بدخول الأشخاص أو الإمدادات إلى المدينة. تقول جماعة حقوق الإنسان أن الحكومة ترفض السماح  للرجال غير المتزوجين بالمغادرة.

وحسبما ذكرت تقارير محلية، كانت الحكومة العراقية قد بدأت حملة ضخمة في بغداد لتدريب مئات المتطوعين ليتم إرسالهم للقتال في الأنبار. وقد وعدت الحكومة بإشراك المتطوعين في برنامج تدريب لمدة ثلاثة أسابيع ثم توزيعهم للخدمة في منطقة مكافحة المتطرفين الإسلاميين.

تبدو التحديات التي تواجه العمليات المزمع تنفيذها في الفلوجة أكثر وضوحًا في بعض النواحي حيث تقع المدينة في وسط البلاد كما تتوفر بها شبكات طرق جيدة. وبسبب قربها من العاصمة، فلن تضطر الحكومة لنقل قواتها لمسافة بعيدة، مما سيجعلها مهمة سهلة نسبيًا.

ومن ناحية أخرى، صرح “نايتس” أنه من المرجح أن المعارضة تمتلك قدرات جيدة “وأن بعضًا من الرجال هناك ربما اكتسبوا خبرة في حرب الشوارع في مدن الحمراء وحمص وحلب في سوريا، وربما كان بعضهم موجودًا في الفلوجة في عام 2004”.

وحسب ما ورد عن الأمم المتحدة، فإن الأزمة في محافظة الأنبار تأتي بعد عام من مقتل 7800 مدنيًا و1000 من قوات الأمن العراقية في هجمات هي الأقسى من نوعها منذ وقت “التواجُد المُكثّف” للولايات المتحدة في الفترة بين 2007-2008 في العراق.

شارك في كتابة هذا التقرير: “زكاري فراير بيجز”.

Read in English

...قد ترغب أيضا